الولاية : عموم
الولايات
التاريخ : 29. 09. 2017
المَساجِدُ
وَالمُدُنُ وَالحَضاراتُ
بارَكَ
اللهُ لَكُمْ في جُمُعَتِكُمْ إِخْوَتيَ الأعِزّاءُ!
في مُسْتَهَلِّ خُطْبَةِ
اليَوْمِ تَعالَوْا نَذْكُرْ يَوْمَ عاشوراءَ الذي سَنُحْيِيهِ غَدَاً، وَواقِعَةَ
كَرْبلاءَ التي تُغْرِقُنا في الحُزْنِ. تَعالَوْا نَذْكُرْ بِالْخَيْرِ مَنْهَلَ
الشُّهَداءِ وَسَيِّدَ شَبابِ الجَنَّةِ وَأَحَدَ رَيحانَتَيْ رَسولِ اللهِ صلى
الله عليه وسلم وَنورَ عَيْنِ المُؤْمِنينَ سَيِّدَنا الحُسَيْنَ رضي الله عنه. وَلْنُصَلِّ
على رَسولِ اللهِ وَأَهْلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ بِهَذِهِ المُناسَبَةِ.
إِخْواني!
في خُطْبَتِنا لِهَذا
اليَوْمِ تَعالَوْا نَتَذَكَّرِ المَساجِدَ وَأُسْبوعَ المَساجِدِ وَالمُوَظَّفينَ
الدِّينِّيينَ الذي نَحْتَفِلُ بِهِ مُنْذُ رُبْعَ قَرْنٍ أَوْ يَزيدُ. تَعالَوْا
نَبْحَثْ عَنْ طُرُقٍ لِوَضْعِ المَساجِدِ مِنْ جَديدٍ في قَلْبِ المُدُنِ وَجَعْلِها
مَهْدَ الحَضاراتِ. تَعالَوْا نُفَكِّرْ مَرَّةً أُخْرى في مَدى أَهَمِّيَّةِ المَساجِدِ
وَالحَضاراتِ في حَياتِنا.
إِخْوَتي
الأعِزّاءُ!
يَقولُ اللهُ تَعالى في كِتابِهِ
العَظيمِ: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ
إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"[1]. وَيَقولُ رَسُولُنا الكَريمُ في حَديثِهِ
الشَّريفِ: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا"[2].
أيُّها
المُؤْمِنونَ الأعِزّاءُ!
المَساجِدُ هِيَ قَلْبُ الحَضارَةِ
الإسْلامِيَّةِ. فَفي حَضارَتِنا لا يُمْكِنُ لِإِنْسانٍ أَنْ يَتَخَيَّلَ المُدُنَ
بِدونِ المَساجِدِ وَالمَعابِدِ. وَعِنْدَما جاءَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
مَعَ اصْحاَبِهِ الكِرامِ إلى المَدينَةِ بادَرَ على الفَوْرِ بِبِناءِ المَسْجِدِ
النَّبَوِيِّ في قَلْبِ المَدينَةِ. فَأَصْبَحَ المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ مَرْكَزَ
المَدينَةِ وَمَهْدَ الحَضارَةِ. وَمِنْ هَذا المَكانِ اِنْتَشَرَ العِلْمُ وَالعِرْفانُ
وَالأخْلاقُ وَالعَدْلُ وَالمَحَبَّةُ وَالاحْتِرامُ وَالرَّأْفَةُ حَتّى وَصَلَ
إلى جَميعِ أَصْقاعِ الأرْضِ أَمْواجاً أمْواجاً. وَمُنْذُ ذَلِكَ الحينِ بُنِيَتِ
البُلْدانُ الإسْلامِيَّةُ حَوْلَ المَساجِدِ. وَغَدَتِ المَساجِدُ روحَ المُدُنِ.
إِخْوانِيَ
الأفاضِلُ!
المَساجِدُ
بِالنِّسْبَةِ لَنا نَحْنُ المُؤْمِنينَ حَياةٌ. فَفِي المَساجِدِ نَشْعُرُ في صَميمِ
قُلوبِنا عِبادَةَ اللهِ وَحْدَهُ وَالخُنوعَ والاسْتِسْلامَ لَهُ وَحْدَهُ. وَالمَساجِدُ
تَسْحَبُنا مِنْ هُمومِ الدُّنْيا وَأَكْدارِها التي لا تَنْتَهِي، وَتُعيدُنا إلى
الحَياةِ بَعْدَ أَنْ تُكْسِبَنا شُعوراً جَديداً بِأَجْوائِهِ المَعْنَوِيَّةِ، وَتُرَبِّينا
وَتُعَلِّمُنا وَهَيِ تَنْسُجُ مَشاعِرَنا وَأَفْكارَنا نَقْشاً نَقْشاً. وَالمَساجِدُ
بِجَوانِبِهِ هَذِهِ، مَواطِنُ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ وَالمَعْرِفَةِ وَالأخْلاقِ.
وَالمَساجِدُ هِيَ الأماكِنُ التي نَتَعَرَّفُ فيها على رَبِّنا وَدينِنا وَكِتابِنا
وَرَسُولِنا وَأُخُوَّتِنا وَحَياتِنا.
إنَّ المَساجِدَ هِيَ الأماكِنُ التي
تُوَحِّدُ قُلوبَنا أَمامَ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ. وَالمَساجِدُ تُبْنى حَتّى
نَحْمِلَ لِلْمُجْتَمَعِ رُوحَ الوَحْدَةِ التي نَمْلِكُها عِنْدَما نَتَكاتَفُ وَنَصْطَفُّ
لِلصَّلاةِ وَنَقُومُ ونَرْكَعُ وَنَسْجُدُ مَعاً. وَالمَساجِدُ تُشَيَّدُ لِنَحْمِلَ
إلى بُيوتِنا وَأَحْيائِنا وَبِلادِنا وَالإنْسانِيَّةِ شُعورَ "المُؤْمِنِ
الأَمينِ" الذي يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْ يَدِهِ وَلِسانِهِ، وَشُعورَ "الإنْسانِ
القُدْوَةِ" الذي يَغْبِطُهُ الآخَرونَ.
إِخْوانِيَ
المُحْتَرَمونَ!
إِنَّ المَساجِدَ
وَالجَوامِعَ تُشيرُ بِوُجودِها إلى اسْتِقْلالِ البُلْدانِ الإسْلامِيَّةِ. وَتَرْمُزُ
بِمآذِنِها إلى التَّوْحيدِ، وَتُعَبِّرُ بِأَذانِها عَنِ الشَّهادَةِ. وَالمَساجِدُ
هِيَ المَراكِزُ التي تَبْعَثُ بِصَلَواتِها الحَياةَ في الأمَّةِ وَتَجْعَلُها تَنْهَضُ
عَلى قَدَمَيْها. وَالمَساجِدُ بِمَنابِرِها هِيَ أَماكِنُ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ
وَالمَعْرِفَةِ، وَصَوْتُ الحَقِّ وَالحَقيقَةِ. وَالمَساجِدُ هِيَ المَواقِعُ
التي نُجاهِدُ فيها المَعاصِيَ وَكافَّةَ
السّيِّئاتِ مِثْلَ الحِقْدِ والغَضَبِ وَالكَراهِيَةِ التي تَأْسِرُ قُلُوبَنا وَصُدورَنا،.
إِخْوانِيَ
الكِرامُ!
قَرَّرَتْ رِئاسَةُ الشُّؤونِ الدِّينِيَّةِ
أَنْ تُقِيمَ أُسْبوعَ المَساجِدِ وَالمُوَظَّفينَ الدِّينِيّنَ لِهَذا العامِ تَحْتَ
عُنْوانِ "المَسْجِدُ وَالْمَدِينَةُ
وَالحَضارَةُ". وَسَيَتِمُّ خِلالَ الأنْشِطَةِ
التي يَتِمُّ تَنْظيمُها على مَدارِ الأسْبوعِ التَّأْكيدُ على أَهَمِّيَّةِ المَساجِدِ
في كونها حَياةً لِلْمُؤْمِنِ وروحاً للمُدُنِ وَمَكاناً لظُهورِ الحَضاراتِ. كَما
سَيَتِمُّ إِعادَةُ التَّذْكيرِ بِأَنَّ المُؤْمِنينَ جَميعاً مُكَلَّفُونَ بِإِحْياءِ
وظائِفِ المَساجِدِ التي كانَتْ تُؤَدّيها في عَصْرِ السَّعادَةِ.
بِهَذِهِ الوَسيلَةِ أَتَمَنّى أَنْ
يَعُودَ أُسْبوعُ المَساجِدِ وَالمُوَظَّفينَ الدِّينِيِّينَ بِالخَيْرِ على الجَميعِ.
وَأَسْأَلُ اللهَ سُبْحانَهُ الرَّحْمَةَ على إِخْوانِنا الذين خَدَموا المَساجِدَ
ثُمَّ ارْتَحَلوا إلى الحَياةِ الآخِرَةِ، والصِّحَّةَ والعافِيَةَ لِمَنْ هُمْ
على قَيْدِ الحَياةِ. أَسْألُ اللهَ تَعالى أَنْ لا يُفَرِّقَ قُلوبَنا وَعُقولَنا
وَأَجْسادَنا عَنِ المَساجِدِ وَالجَوامِعِ، وَأَنْ لا يَحْرِمَنا مِنَ الأَذانِ
الذي يَحْمِلُ في صَلَواتِهِ أَساسَ دِينِنا الحَنيفِ.
Hiç yorum yok:
Yorum Gönder